كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَكَيْفَ يُنْكِرُ أَحَدٌ انْقِسَامَ الذُّنُوبِ إِلَى كَبَائِرَ وَغَيْرِ كَبَائِرَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقُرْآنُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَهُوَ مِنْ ذَاتِهِ بَدِيهِيٌّ- كَمَا قَالَ الْغَزَالِيُّ- فَإِنَّ الْمَنْهِيَّاتِ أَنْوَاعٌ لَهَا أَفْرَادٌ تَتَفَاوَتُ فِي أَنْفُسِهَا وَفِي الدَّاعِيَةِ النَّفْسِيَّةِ الَّتِي تَسُوقُ إِلَيْهَا.
قَالَ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ جَزَاءِ الْمُسِيئِينَ وَالْمُحْسِنِينَ فِي سُورَةِ النَّجْمِ: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [53: 32]، وَالْفَوَاحِشُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْكَبَائِرِ، وَهِيَ مَا فَحُشَ مِنَ الْفَعَائِلِ الْقَبِيحَةِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ تُنَاسِبُ الْآيَةَ الَّتِي نَفْسُهَا فِي مَعْنَاهَا بِذَاتِهَا وَمَوْقِعِهَا مِمَّا قَبْلَهَا، فَقَدْ عَبَّرَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، وَجَعَلَ جَزَاءَ هَذَا الِاجْتِنَابِ تَكْفِيرَ مَا دُونَ الْكَبَائِرِ وَالْفَوَاحِشِ وَغُفْرَانَهُ، وَلَكِنَّهُ عَبَّرَ عَنْ مُقَابِلِ الْكَبَائِرِ هُنَا بِالسَّيِّئَاتِ وَهُوَ لَفْظٌ يَشْمَلُ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ كَمَا عُلِمَ مِنَ اسْتِعْمَالِهِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ، وَعَبَّرَ فِي سُورَةِ النَّجْمِ بِاللَّمَمِ، وَفَسَّرُوا اللَّمَمَ بِمَا قَلَّ وَصَغُرَ مِنَ الذُّنُوبِ، كَمَا فَسَّرُوا السَّيِّئَاتِ هُنَا بِالصَّغَائِرِ وَمَا أَخَذُوا ذَلِكَ إِلَّا مِنَ الْمُقَابَلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ يَكُونُ اللَّمَمُ بِمَعْنَى مُقَارَبَةِ الْكَبِيرَةِ أَوِ الْفَاحِشَةِ بِإِتْيَانِ بَعْضِ مُقَدِّمَاتِهَا مَعَ اجْتِنَابِ اقْتِرَافِهَا، مِنْ أَلَمَّتِ النَّخْلَةُ إِذْ قَارَبَتِ الْإِرْطَابَ وَأَلَمَّ الْغُلَامُ إِذَا قَارَبَ الْبُلُوغَ، وَسَيَأْتِي مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ فِي تَكْفِيرِ الذُّنُوبِ مَا يُوَضِّحُهُ بِالْأَمْثِلَةِ، وَمِنَ التَّنَاسُبِ الْمُتَعَلِّقِ بِالسِّيَاقِ أَنَّهُ عَلَّلَ فِي سُورَةِ النَّجْمِ مَغْفِرَةَ اللَّمَمِ بِعِلْمِ اللهِ تَعَالَى بِحَالِ الْإِنْسَانِ فِي خُرُوجِهِ مِنْ مَوَادِّ الْأَرْضِ الْمَيِّتَةِ تَكُونُ غِذَاءً فَدَمًا فَمَنِيًّا يُلَقِّحُ الْبُوَيْضَاتِ فِي رَحِمِ الْأُمِّ، وَعِلْمُهُ بِحَالِهِ بَعْدَ هَذَا التَّلْقِيحِ إِذْ يَكُونُ جَنِينًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، فَقُصَارَاهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَ فِي أُخْرَى: {خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} [30: 54]، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْآيَةَ الَّتِي نُفَسِّرُهَا تَعْلِيلُ التَّخْفِيفِ عَنِ الْمُكَلَّفِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [4: 28].
وَمِمَّا وَرَدَ صَرِيحًا فِي تَقْسِيمِ الذُّنُوبِ إِلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةَ إِلَّا أَحْصَاهَا} [18: 49]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} [54: 52، 53].
وَإِذَا كَانَ هَذَا صَرِيحًا فِي الْقُرْآنِ فَهَلْ يُعْقَلُ أَنْ يَصِحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنْكَارُهُ؟ لَا، بَلْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: هَلِ الْكَبَائِرُ سَبْعٌ؟ فَقَالَ: هِيَ إِلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ، وَرَوَى ابْنُ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ إِلَى السَّبْعِمِائَةِ أَقْرَبُ، وَإِنَّمَا عُزِيَ الْقَوْلُ بِإِنْكَارِ تَقْسِيمِ الذُّنُوبِ إِلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ إِلَى الْأَشْعَرِيَّةِ، وَكَأَنَّ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ أَرَادُوا أَنْ يُخَالِفُوا بِهِ الْمُعْتَزِلَةَ وَلَوْ بِالتَّأْوِيلِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ فُورَكٍ، فَإِنَّهُ صَحَّحَ كَلَامَ الْأَشْعَرِيَّةِ، وَقَالَ: مَعَاصِي اللهِ كُلُّهَا كَبَائِرُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لِبَعْضِهَا صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ بِالْإِضَافَةِ، وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: الذُّنُوبُ عَلَى ضَرْبَيْنِ صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ اهـ، وَأَوَّلَ الْآيَةَ تَأْوِيلًا بَعِيدًا، وَهَلْ يُؤَوِّلُ سَائِرَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ لِأَجْلِ أَنْ يُخَالِفَ الْمُعْتَزِلَةَ وَلَوْ فِيمَا أَصَابُوا فِيهِ؟ لَا يَبْعُدُ ذَلِكَ، فَإِنَّ التَّعَصُّبَ لِلْمَذَاهِبِ هُوَ الَّذِي صَرَفَ كَثِيرًا مِنَ الْعُلَمَاءِ الْأَذْكِيَاءِ عَنْ إِفَادَةِ أَنْفُسِهِمْ وَأُمَّتِهِمْ بِفِطْنَتِهِمْ، وَجَعَلَ كُتُبَهُمْ فِتْنَةً لِلْمُسْلِمِينَ اشْتَغَلُوا بِالْجَدَلِ فِيهَا عَنْ حَقِيقَةِ الدِّينِ، وَسَتَرَى مَا يَنْقُلُهُ الرَّازِيُّ عَنِ الْغَزَالِيِّ وَيَرُدُّهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَأَيْنَ الرَّازِيُّ مِنَ الْغَزَالِيِّ، وَأَيْنَ مُعَاوِيَةُ مِنْ عَلِيٍّ؟
وَالْمُوَافِقُونَ لِلْمُعْتَزِلَةِ مِنْ مُحَقِّقِي الْإِشَارَةِ وَغَيْرِهِمُ اخْتَلَفُوا فِي تَعْرِيفِ الْكَبِيرَةِ فَقِيلَ: هِيَ كُلُّ مَعْصِيَةٍ أَوْجَبَتِ الْحَدَّ، وَقِيلَ: مَا نَصَّ الْكِتَابُ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَوَجَبَ فِي جِنْسِهِ حَدٌّ، وَقِيلَ: كُلُّ مُحَرَّمٍ لِعَيْنِهِ أَيْ لَا لِعَارِضٍ، أَوْ لَا لِسَدِّ ذَرِيعَةٍ، وَضَعَّفُوا هَذِهِ الْأَقْوَالَ وَأَقْوَالًا أُخْرَى كَثِيرَةً، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ الْكَبَائِرَ كُلُّ مَا تَوَعَّدَ اللهُ عَلَيْهِ، قِيلَ: فِي الْقُرْآنِ فَقَطْ، وَقِيلَ: فِي الْحَدِيثِ أَيْضًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَالْغَزَالِيِّ وَاسْتَحْسَنَهُ الرَّازِيُّ: إِنَّهَا كُلُّ مَا يُشْعِرُ بِالِاسْتِهَانَةِ بِالدِّينِ وَعَدَمِ الِاكْتِرَاثِ بِهِ، وَهُوَ قَوْلٌ مَقْبُولٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمَعْقُولِ، وَالْمُخْتَلِفُونَ فِي تَعْرِيفِهَا مُتَّفِقُونَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ هُنَاكَ صَغِيرَةً وَكَبِيرَةً، وَأَنَّ تَرْكَ الْكَبَائِرِ يُكَفِّرُ الصَّغَائِرَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى أَبْهَمَ الْكَبَائِرَ لِتُجْتَنَبَ كُلُّ الْمَعَاصِي، فَإِنَّ مَنْ عَرَضَتْ لَهُ كُلُّ مَعْصِيَةٍ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا مِنَ الْكَبَائِرِ الَّتِي يُعَاقَبُ عَلَيْهَا أَوْ مِنَ الصَّغَائِرِ الَّتِي يُكَفِّرُهَا اللهُ عَنْهُ بِتَرْكِ الْكَبَائِرِ، فَالِاحْتِيَاطُ يَقْضِي عَلَيْهِ بِأَنْ يَجْتَنِبَهَا، وَلَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَ الْقَوْلِ بِأَنَّ جَمِيعَ الْمَعَاصِي كَبَائِرُ وَالْقَوْلِ بِأَنَّ مِنْهَا صَغَائِرَ مُبْهَمَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَهِيَ لَا تُعْلَمُ، وَقَدْ أَطَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْبَحْثَ فِي ذَلِكَ، فَلْيُرَاجِعْ كِتَابَهُ الزَّوَاجِرَ مَنْ شَاءَ.
الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: إِنَّ الَّذِينَ قَسَّمُوا الْمَعْصِيَةَ إِلَى صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ، وَأَرَادُوا بِالسَّيِّئَاتِ الصَّغَائِرَ لَمْ يَفْهَمُوا الْآيَةَ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينِ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [45: 21]، فَجُعِلَ أَهْلُ السَّيِّئَاتِ فِي مُقَابَلَةِ الْمُؤْمِنِينَ، فَهُمُ الْمُشْرِكُونَ وَالْكَافِرُونَ الْمُفْسِدُونَ، وَقَالَ: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينِ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} [4: 18]، الْآيَةَ، وَمَا الْعَهْدُ بِتَفْسِيرِهَا بِبَعِيدٍ، وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ السَّيِّئَاتِ فِيهَا عَلَى الصَّغَائِرِ، وَالصَّوَابُ أَنَّ فِي كُلِّ سَيِّئَةٍ، وَفِي كُلِّ نَهْيٍ خَاطَبَنَا اللهُ تَعَالَى بِهِ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ، وَصَغِيرَةً أَوْ صَغَائِرَ، وَأَكْبَرُ الْكَبَائِرِ فِي كُلِّ ذَنْبٍ عَدَمُ الْمُبَالَاةِ بِالنَّهْيِ وَالْأَمْرِ، وَاحْتِرَامِ التَّكْلِيفِ وَمِنْهُ الْإِصْرَارُ، فَإِنَّ الْمُصِرَّ عَلَى الذَّنْبِ لَا يَكُونُ مُحْتَرِمًا وَلَا مُبَالِيًا بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ.
فَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} أَيِ الْكَبَائِرَ الَّتِي يَتَضَمَّنُهَا كُلُّ شَيْءٍ تُنْهَوْنَ عَنْهُ، نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ أَيْ: نُكَفِّرْ عَنْكُمْ صَغِيرَهُ فَلَا نُؤَاخِذْكُمْ عَلَيْهِ، فَإِضَافَةُ السَّيِّئَاتِ إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ جُمْهُورُ الْأَشَاعِرَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا كَبِيرَةَ؛ بِمَعْنَى أَنَّ بَعْضَ السَّيِّئَاتِ يَكُونُ كَبِيرَةً مُطْلَقًا عَلَى الدَّوَامِ، وَإِنْ فُعِلَ بِجَهَالَةٍ عَارِضَةٍ وَعَدَمِ اسْتِهَانَةٍ، وَلَا صَغِيرَةَ مُطْلَقًا، وَإِنْ فُعِلَتْ لِعَدَمِ الِاكْتِرَاثِ بِالنَّهْيِ وَأَصَرَّ الْفَاعِلُ عَلَيْهَا، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَ قِيلَ لَهُ: الْكَبَائِرُ سَبْعٌ؟، قَالَ: هِيَ إِلَى السَّبْعِمِائَةِ أَقْرَبُ، وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إِصْرَارٍ، وَلَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ، أَيْ: مَعَ تَوْبَةٍ، فَكُلُّ ذَنْبٍ يُرْتَكَبُ لِعَارِضٍ يَعْرِضُ عَلَى النَّفْسِ مِنَ اسْتِشَاطَةِ غَضَبٍ، أَوْ غَلَبَةِ جُبْنٍ، أَوْ ثَوْرَةِ شَهْوَةٍ وَصَاحِبُهُ مُتَمَكِّنٌ مِنَ الدِّينِ يَخَافُ اللهَ وَلَا يَسْتَحِلُّ مَحَارِمَهُ فَهُوَ مِنَ السَّيِّئَاتِ الَّتِي يُكَفِّرُهَا اللهُ تَعَالَى، إِذَا كَانَ لَوْلَا ذَلِكَ الْعَارِضُ الْقَاهِرُ لِلنَّفْسِ لَمْ يَكُنْ لِيَجْتَرِحَهُ تَهَاوُنًا بِالدِّينِ، وَكَانَ بَعْدَ اجْتِرَاحِهِ إِيَّاهُ حَالَ كَوْنِهِ مَغْلُوبًا عَلَى أَمْرِهِ يَنْدَمُ وَيَتَأَلَّمُ وَيَتُوبُ وَيَرْجِعُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَعْزِمُ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدَةِ إِلَى اقْتِرَافِ مِثْلِهِ، فَهُوَ بِعَدَمِ إِصْرَارِهِ وَبِاسْتِقْرَارِ هَيْبَةِ اللهِ وَخَوْفِهِ فِي نَفْسِهِ يَكُونُ أَهْلًا لِأَنْ يَتُوبَ اللهُ عَلَيْهِ وَيُكَفِّرَ عَنْهُ، وَكُلُّ ذَنْبٍ يَرْتَكِبُهُ الْإِنْسَانُ- مَعَ التَّهَاوُنِ بِالْأَمْرِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِنَظَرِ اللهِ إِلَيْهِ وَرُؤْيَتِهِ إِيَّاهُ حَيْثُ نَهَاهُ- فَهُوَ مَهْمَا كَانَ صَغِيرًا أَيْ: فِي صُورَتِهِ أَوْ ضَرَرِهِ، يُعَدُّ كَبِيرَةً (أَيْ: مِنْ حَيْثُ هُوَ اسْتِهَانَةٌ بِالدِّينِ وَدَاعٍ إِلَى الْإِصْرَارِ وَالِانْهِمَاكِ وَالِاسْتِهْتَارِ)، وَمِثَالُ ذَلِكَ: تَطْفِيفُ الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ وَإِخْسَارُهُمَا، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [83: 1]، وَهُوَ يَصْدُقُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَلَوْ حَبَّةً، وَالْهَمْزُ وَاللَّمْزُ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [104: 1]، أَيِ: الَّذِينَ اعْتَادُوا الْهَمْزَ وَاللَّمْزَ، وَهُمَا عَيْبُ النَّاسِ وَالطَّعْنُ فِي أَعْرَاضِهِمْ، وَالْوَيْلُ: الْهَلَاكُ فَهُوَ وَعِيدٌ شَدِيدٌ.
أَقُولُ: إِنَّ هَذَا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ هُوَ تَرْجِيحٌ لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الْكَبَائِرَ بِحَسَبِ قَصْدِ فَاعِلِهَا وَشُعُورِهِ عِنْدَ اقْتِرَافِهَا وَعَقِبَهُ، لَا فِي ذَاتِهَا وَحَسَبِ ضَرَرِهَا، وَهَذَا لَا يَقْتَضِي إِنْكَارَ تَمَايُزِ الْمَعَاصِي فِي أَنْفُسِهَا، وَكَوْنَ مِنْهَا الصَّغِيرَةُ كَالنَّظَرِ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ مِنَ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ كَبِيرَةٌ كَالزِّنَا، وَكَذَلِكَ ضَرْبُ الرَّجُلِ خَادِمَهُ ضَرْبًا خَفِيفًا بِدُونِ ذَنْبٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ يُعَدُّ صَغِيرَةً، وَأَمَّا قَتْلُهُ إِيَّاهُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَدَّ صَغِيرَةً فِي نَفْسِهِ مَهْمَا كَانَ الْبَاعِثُ النَّفْسِيُّ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ مَسْأَلَةَ تَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ وَعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ تَتَعَلَّقُ بِمَقَاصِدِ النَّفْسِ وَقُوَّةِ الْإِيمَانِ وَسُلْطَانِهِ فِي الْقَلْبِ، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ وَتَبِعَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ، وَإِنَّنَا نَنْقُلُ عَنِ الْغَزَالِيِّ نُبَذًا تَدُلُّ عَلَى رَأْيِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
قَالَ الرَّازِيُّ: وَذَكَرَ الشَّيْخُ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي مُنْتَخَبَاتِ كِتَابِ إِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ فَصْلًا طَوِيلًا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ، فَقَالَ: فَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْكَبَائِرَ تَمْتَازُ عَنِ الصَّغَائِرِ بِحَسَبِ ذَوَاتِهَا وَأَنْفُسِهَا.
وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إِنْ لِكُلِّ طَاعَةٍ قَدْرًا مِنَ الثَّوَابِ، وَلِكُلِّ مَعْصِيَةٍ قَدْرًا مِنَ الْعِقَابِ، فَإِذَا أَتَى الْإِنْسَانُ بِطَاعَةٍ وَاسْتَحَقَّ بِهَا ثَوَابًا، ثُمَّ أَتَى بِمَعْصِيَةٍ وَاسْتَحَقَّ بِهَا عِقَابًا فَهَاهُنَا الْحَالُ بَيْنَ ثَوَابِ الطَّاعَةِ، وَعِقَابِ الْمَعْصِيَةِ بِحَسَبِ الْقِسْمَةِ الْعَقْلِيَّةِ يَقَعُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَتَعَادَلَا وَيَتَسَاوَيَا، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا بِحَسَبِ التَّقْسِيمِ الْعَقْلِيِّ إِلَّا أَنَّهُ دَلَّ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجَدُ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [42: 7].
(وَالْقِسْمُ الثَّانِي): أَنْ يَكُونَ ثَوَابُ طَاعَةٍ أَزْيَدَ مِنْ عُقَابِ مَعْصِيَةٍ، وَحِينَئِذٍ يَنْحَبِطُ ذَلِكَ بِمَا يُسَاوِيهِ مِنَ الثَّوَابِ وَيَفْضُلُ مِنَ الثَّوَابِ شَيْءٌ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ هِيَ الصَّغِيرَةُ، وَهَذَا الِانْحِبَاطُ هُوَ الْمُسَمَّى بِالتَّكْفِيرِ.
(وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ): أَنْ يَكُونَ عِقَابُ مَعْصِيَتِهِ أَزْيَدَ مِنْ ثَوَابِ طَاعَتِهِ، وَحِينَئِذٍ يَنْحَبِطُ ذَلِكَ الثَّوَابُ بِمَا يُسَاوِيهِ مِنَ الْعِقَابِ، وَيَفْضُلُ مِنَ الْعِقَابِ شَيْءٌ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ هِيَ الْكَبِيرَةُ وَهَذَا الِانْحِبَاطُ هُوَ الْمُسَمَّى بِالْإِحْبَاطِ؛ وَبِهَذَا الْكَلَامِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكَبِيرَةِ وَبَيْنَ الصَّغِيرَةِ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُعْتَزِلَةِ.
ثُمَّ رَدَّ الرَّازِيُّ هَذَا الْكَلَامَ قَالَ: لَا لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أُصُولٍ بَاطِلَةٍ عِنْدَنَا، أَيْ: عِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ، وَذَكَرَ مِنْهَا كَوْنَ الطَّاعَةِ تُوجِبُ الثَّوَابَ، وَالْمَعْصِيَةِ تُوجِبُ الْعِقَابَ، وَمِنْهَا الْقَوْلُ بِالْإِحْبَاطِ، وَبِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَسْتَحِقُّ بِعَمَلِهِ الصَّالِحِ جَزَاءً، وَكُلُّ ذَلِكَ مَرْدُودٌ عِنْدَهُ، لَا أَدْرِي أَنَقَلَ الرَّازِيُّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ بِنَصِّهَا أَمْ بِمَعْنَاهَا، وَلَكِنْ أَقُولُ عَلَى الْحَالَيْنِ: إِنَّ تَوْجِيهَ الرَّجُلِ ذَكَاءَهُ لِمُنَاقَشَةِ الْمُعْتَزِلَةِ وَتَفْنِيدِ أَقْوَالِهِمْ، وَنَصْرِ الْأَشَاعِرَةِ وَتَأْيِيدِ مَذْهَبِهِمْ قَدْ شَغَلَهُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ عَنِ اسْتِبَانَةِ الْحَقِيقَةِ فِي نَفْسِهَا، فَعِبَارَةُ الْغَزَالِيِّ الَّتِي ذَكَرَهَا لَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ لِإِيجَابِ الطَّاعَةِ الثَّوَابَ وَالْمَعْصِيَةِ الْعِقَابَ، وَإِنَّمَا حَرَّكَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي خَيَالِهِ ذِكْرُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ اسْتِحْقَاقَ الْعَامِلِ الثَّوَابَ عَلَى الطَّاعَةِ، وَالْعِقَابَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَهَذَا الِاسْتِحْقَاقُ لَيْسَ بِإِيجَابٍ مِنْ ذِي سُلْطَةٍ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ تَعَالَى، وَآيَاتُ الْقُرْآنِ الدَّالَّةُ عَلَيْهِ تَعْلُو تَأْوِيلَ الْمُؤَوِّلِينَ وَجَدَلَ الْمُجَادِلِينَ، وَكَذَلِكَ حُبُوطُ الْأَعْمَالِ بِالْكُفْرِ، وَإِحَاطَةُ الْمَعَاصِي ثَابِتَةٌ فِي الْقُرْآنِ لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يُمَارِيَ فِيهَا مِرَاءً ظَاهِرًا {أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [9: 17]، {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ} [2: 81]، {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [83: 14]، عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ هُنَا لَا يُوَضِّحُ مَعْنَى الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ، وَفِيهِ مَعْنَى تَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ.
وَهَذِهِ الْمُوَازَنَةُ بَيْنَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا إِنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِحَسَبِ تَأْثِيرِهَا فِي النَّفْسِ، فَإِذَا زَكَتِ النَّفْسُ بِغَلَبَةِ تَأْثِيرِ الطَّاعَاتِ فِيهَا عَلَى تَأْثِيرِ الْمَعَاصِي أَفْلَحَتْ وَارْتَفَعَتْ إِلَى عِلِّيِّينَ، وَإِذَا كَانَ الْعَكْسُ خَسِرَتْ وَحَبِطَ مَا عَمِلَتْ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [91: 9، 10]، وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا الْمَعْنَى فِي التَّفْسِيرِ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَأَنَّ تَكْفِيرَ الْحَسَنَاتِ وَإِذْهَابَهَا لِلسَّيِّئَاتِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْقُرْآنُ ظَاهِرٌ مَعْقُولٌ، وَلَكِنَّ تَكْفِيرَ تَرْكِ الْكَبَائِرِ السَّيِّئَاتِ يَحْتَاجُ إِلَى إِيضَاحٍ، لَكِنَّ هَذَا أَمْرٌ عَدَمِيٌّ، فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ أَثَرٌ يُضَادُّ أَثَرَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَيْهَا وَيُكَفِّرَهَا؟
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي بَيَانِ الرُّكْنِ الثَّانِي مِنْ مَبَاحِثِ التَّوْبَةِ، وَهُوَ مَا عَنْهُ التَّوْبَةُ، أَيِ الذُّنُوبُ مَا نَصُّهُ: اجْتِنَابُ الْكَبِيرَةِ إِنَّمَا يُكَفِّرُ الصَّغِيرَةَ إِذَا اجْتَنَبَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ كَمَنْ يَتَمَكَّنُ مِنَ امْرَأَةٍ، وَمِنْ مُوَاقَعَتِهَا فَيَكُفُّ نَفْسَهُ عَنِ الْوِقَاعِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى نَظَرٍ أَوْ لَمْسٍ، فَإِنَّ مُجَاهَدَةَ نَفْسِهِ بِالْكَفِّ عَنِ الْوِقَاعِ أَشَدُّ تَأْثِيرًا فِي تَنْوِيرِ قَلْبِهِ مِنْ إِقْدَامِهِ عَلَى النَّظَرِ فِي إِظْلَامِهِ، فَهَذَا مَعْنَى تَكْفِيرِهِ، فَإِنْ كَانَ عِنِّينًا، أَوْ لَمْ يَكُنِ امْتِنَاعُهُ إِلَّا بِالضَّرُورَةِ لِلْعَجْزِ، أَوْ كَانَ قَادِرًا وَلَكِنِ امْتَنَعَ لِخَوْفِ أَمْرٍ آخَرَ، فَهَذَا لَا يَصْلُحُ لِلتَّكْفِيرِ أَصْلًا، وَكُلُّ مَنْ لَا يَشْتَهِي الْخَمْرَ بِطَبْعِهِ وَلَوْ أُبِيحَ لَهُ لَمَا شَرِبَهُ فَاجْتِنَابُهُ لَا يُكَفِّرُ عَنْهُ الصَّغَائِرَ الَّتِي هِيَ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ كَسَمَاعِ الْمَلَاهِي وَالْأَوْتَارِ.
نَعَمْ مَنْ يَشْتَهِي الْخَمْرَ وَسَمَاعَ الْأَوْتَارِ فَيُمْسِكُ نَفْسَهُ بِالْمُجَاهِدَةِ عَنِ الْخَمْرِ وَيُطْلِقُهَا فِي السَّمَاعِ فَمُجَاهَدَتُهُ النَّفْسَ بِالْكَفِّ رُبَّمَا تَمْحُو عَنْ قَلْبِهِ الظُّلْمَةَ الَّتِي ارْتَفَعَتْ إِلَيْهِ مِنْ مَعْصِيَةِ السَّمَاعِ.
فَكُلُّ هَذِهِ أَحْكَامٌ أُخْرَوِيَّةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَبْقَى بَعْضُهَا مَحَلَّ الشَّكِّ، وَتَكُونَ مِنَ الْمُتَشَابِهَاتِ فَلَا يُعْرَفُ تَفْصِيلُهَا إِلَّا بِالنَّصِّ، وَلَمْ يَرِدِ النَّصُّ بَعْدُ وَلَا حَدَّ جَامِعٌ، بَلْ وَرَدَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَاتٍ، فَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الصَّلَاةُ إِلَى الصَّلَاةِ كَفَّارَةٌ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ كَفَّارَةٌ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: إِشْرَاكٌ بِاللهِ، وَتَرْكُ السُّنَّةِ، وَنَكْثُ الصَّفْقَةِ» قِيلَ: مَا تَرْكُ السُّنَّةِ؟ قَالَ: الْخُرُوجُ عَنِ الْجَمَاعَةِ، وَنَكْثُ الصَّفْقَةِ أَنْ يُبَايِعَ رَجُلًا ثُمَّ يَخْرُجَ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ يُقَاتِلُهُ فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْأَلْفَاظِ لَا يُحِيطُ بِالْعَدَدِ كُلِّهِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى حَدٍّ جَامِعٍ فَيَبْقَى لَا مَحَالَةَ مُبْهَمًا اهـ.